الحمدُ لله الذي فاضَلَ بين عباده في العُقول والإرادات،
ورفع الناس بالعلم والإيمانِ فوق بعضهم درجات،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الذات،
ولا سَمِيَّ له في الأسماء، ولا مثيل له في الصفات،
نحمدهُ، ونستعينهُ، ونستغفرهُ،
ونعوذ به من شُرور أنفُسِنا ومن سيئات أعمالنا،
من يهده فلا مُضلّ له، ومن يُضلل فلا هادي له،
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أشرف البريّات
أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى،
فهي الوقايةُ من الشرّ والعذاب،
الموصلة إلى الخير والثواب،
ومن رحمته سُبحانه أن بيّن لنا مراتب الخير والثواب،
وحثنا عليها، وسهّل لنا أسبابها وطُرُقها،
حيثُ وصف عباده المُتقين بقيامهم بِحُقوقه وحُقوق عِباده،
ونفى عنهم الإقامة على الذُنوب والإصرار عليها،[١]
فكونوا عباد الله من المتّقين،
ومن الدُنيا حَذِرين التي لو بقيت لأحدٍ لبقيت للأنبياء،
قال تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى).
بيّن الله -تعالى- لنا طُرق الخير،
لِقوله: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)،[٥]
فالمُتّقون هُم المُلتزمون بطاعته، البعيدين عن معصيته،[٦]
وحتى يصل الإنسانُ إلى التقوى فلا بُدّ له أن يعرف ما هي التقوى،
فتقوى العبد تتحقّق بجعل الوقاية بينه وبين غضب الله -سبحانه-،
وكيف ذلك؟ بفعل الطاعات واجتناب المعاصي،
بأن يُطاع الله فلا يُعصى،
وقد قال عليّ رضي الله عنه: التقوى هي "الخوف من الجليل، والعملُ بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل"،[٧]
فمن الذي ينفعنا إذا مِتنا وصرنا إلى دار الحقّ؟
من الذي يصحبنا إلى قبورنا ويؤنس وحشتنا؟
إنّها والله التقوى وأعمالنا الصالحة.
إن المُتدبّر في كتاب ربّه وسُنّة رسوله يُدركُ أن التقوى جِماعٌ وسببٌ لِكُلّ خيرٍ،
سواءً كان هذا الخير في الدُنيا أو الآخرة،
وهي سببٌ لسعادة المؤمن والنجاة،
وسببٌ لتفريج الكروب في الدُنيا والآخرة،
قال الله تعالى في كتابه الكريم: (وَمَن يَتَّقِ اللَّـهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)،[٨]
وذكر بعض السلف أن هذه الآية أجمعُ آيةٍ في القُرآن؛
لأنها تجمعُ خيريّ الدُنيا والآخرة؛
فالمُتّقي يجد المخرج مما يُصيبهُ من مصائب الدُنيا وكُربات الآخرة،[٩]
ومن أعظم الثّمار التي يجنيها المؤمن بتقواه حُصولهِ على معيّة الله -تبارك وتعالى-،
ومحبّته، وولايته، وما أعظمها من ثِمار!
لِقوله تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ).[١٠][١١]
قال أحد الشّعراء عن التقوى:
خلّ الذنوبَ صغيرها وكبيرها فهو التُّقى
واصنع كماشٍ فوق أرض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرنّ صغيرةً إن الجبال من الحصى
الحمد لله على إحسانه، والشُّكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له تعظيمًا لشانه، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحابته وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعدُ: فيا عباد الله:
اتَّقوا الله - تعالى - ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون، واعتَصِموا بحبل الله جميعًا ولا تفرَّقوا، واذكُروا نعمةَ الله عليكم، وتمسَّكوا بكتاب ربِّكم، فإنَّ أصدَق الحديث كتاب الله، وخيرَ الهدي هدي رسول الله، واحذَرُوا البِدَع والمحدَثات، فإنَّ شرَّ الأمور مُحدَثاتها، وكلَّ بدعة ضَلالة، الزَمُوا جماعةَ المسلمين، فإنَّ يدَ الله مع جماعة المسلمين، ومَن شذَّ عنهم شذَّ في النار.
ثم اعلَمُوا أنَّ الله - سبحانه وتعالى - أمرَكُم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه؛ فقال - جلَّ من قائل عليمًا -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، البشير النذير، والسراج المنير، وارضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء الراشدين المهديين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن بقيَّة الصحابة، وعن التابعين، وتابعي التابعين، ومَن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، وانصُر عبادك الموحِّدين.
اللهم اخذل اليهودَ والشيوعيِّين وجميع المُلحِدين ومَن تابعَهُم ووالاهم.
اللهمَّ انصُر المجاهدين الذين يُقاتِلون لتكونَ كلمة الله هي العُليَا.
اللهم انصُرهم في كل مكان.
اللهم سدِّد سِهامهم وآراءهم، وثبِّت أقدامهم.
اللهم ادفَع عنَّا الغَلاء والرِّياء، والربا والزنا والزلازل والمِحَن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصَّة، وعن سائر بلاد المسلمين عامَّة يا رب العالمين.
اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلِح واحفظ ولاة أمورنا.
اللهم وفِّقهم لما فيه عزُّ دِينك ونصْر أمَّة الإسلام.
اللهم اجعَلْهم هُداةً مُهتَدِين صالحين مُصلِحين.
اللهم ارزُقهم البطانةَ الصالحة الناصحة لدِينها وأمَّتها، وأبعدْ عنهم بطانةَ السوء يا حي يا قيوم.
اللهم ثبِّتنا على قولك الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخِرة.
﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [آل عمران: 8].
﴿ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 286].
أنَّ الله يأمُر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القُربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغْي، يعظُكم لعلَّكم تذكَّرون، وأوفوا بعهد الله إذا عاهَدتُهم، ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها، وقد جعَلتُم الله عليكم كفيلًا، إنَّ الله يعلم ما تفعلون.
واذكُروا الله العظيم الجليل يذكُركم،
واشكُروه على نِعَمِه يزدْكم،
ولَذِكرُ الله أكبر، والله يعلَمُ ما تصنَعون.